منتديات لغاتى التعليمية

منتديات لغاتى التعليمية (http://www.loghaty.com/vb3/index.php)
-   القسم الأدبى (http://www.loghaty.com/vb3/forumdisplay.php?f=48)
-   -   كالنقش في الحجر/د.عثمان قدري مكانسي (http://www.loghaty.com/vb3/showthread.php?t=25693)

Nabil 03-03-2010 07:51 PM

كالنقش في الحجر/د.عثمان قدري مكانسي
 

كالنقش في الحجر...

الدكتور عثمان قدري مكانسي


أخذت الأولاد الصغار أمس إلى المسجد ،كعادتي كل يوم ، بل إن أطفال الجيران يدقون عليّ الباب كلما أذن للعشاء لآخذهم معي إلى صلاتها ، إنهم بين السادسة والاثنتي عشرة ، أضعهم في السيارة وأنطلق ..
أتدرون لماذا يسرعون في الذهاب معي إلى صلاة العشاء؟ عوّدتهم أن أشتري لهم " شيبس " أو " بفك " أو " ساندويشة فلافل "
قالت زوجتي : لِمَ هذا المصروف الزائد؟ ولسنا أغنياء ، وبعضهم ليسوا أبناءك ، فكيف تصرف عليهم ؟
قلت ضاحكاً : سعادتي وهم معي ينتظرون مكافأة الذهاب إلى الصلاة تعدل أضعاف ما أصرفه عليهم . .. لا تنسي أنهم رجال المستقبل ، فإذا تعودوا الصلاة منذ الصغر فقد تأصّلت فيهم ، وما عادوا يتركونها ، وسيكون لي مثل أجرهم - كما أخبرنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، هذا بالإضافة أنهم سيكونون مسلمين مؤمنين يربون أبناءهم مثلما أفعل معهم الآن ، وسيرون ثمرة ما فعلته معهم ، وسيدعون لي وأنا في قبري ، فيزداد رصيدي من الحسنات ، وأنا بحاجة إلى هذا الصنف من المال الذي يزيد ولا ينقص .
قلت : إنني أخذتهم كعادتي إلى المسجد ، ووقف حولي بين المصلين ستة منهم . أما السابع - وهو ابن جاري ، في الصف الأول - فقد رأى صديقه في المدرسة ، ولعبا ، وأصدرا أصواتاً أزعجت بعض المصلين ، فما إن انتهت الصلاة حتى طردوهما خارج المسجد ، فلما عرفت الأمر ، وخرجت بعد صلاة السنة البعدية تعمّدت العبوس ، وقطّبت حاجبيّ . وقلت لهذا الولد الصغير الذي كان أول من يدق جرس البيت عليّ : لن آخذك مرة أخرى إلى الصلاة معي ، فقد أثبتّ أنك طفل صغير ، لا تستحق أن تماشي الرجال .!
ابتسم أصحابه ، وتغامزوا ، وسكت هو، فلم ينبس ببنت شفة ، فقد علم أنه أخطأ حين لعب وأصدر في المسجد الضجة التي آذت المصلين ، فلما أخذ كل منا مكانه في السيارة ، نظرت إليه ، من مرآتها ، فخفض رأسه ،
قلت بعد قليل - وقد تركته يضرب أخماسه بأسداسه - لا شك أن " حمزة " رجل ، فأنا أعرفه كذلك ، وأعلم أنه ليس من شيمته اللعب في المسجد ، إنما يسرع فيقف إلى جانبي ويصلي بخشوع ، إلا أنه أخطأ اليوم عن غير قصد . ألست كذلك يا ولدي ؟!
أجاب مسرعاً بلى يا عماه ، فصديقي سالم جرّني ، فلم أنتبه ، ولعبنا معاً ، إنه ولد مشاغب ، ولن أكون مثله إن أخذتني إلى المسجد مرة أخرى ..
تظاهرت أنني سأحرمه من المكافأة هذه الليلة ، فلما اشتريت أكياس " الشبس كان ينظر إليّ بطرف عينه ،
فلما قدّمت له نصيبه على أنه أخطأ ، والمسلم خطّاء ابتسم وأمسك بيدي وقال : سأكون رجلاً يصلي ولا يلعب . فقلت له : هكذا أنت دائماً ، وأنا أثق بك يا ولدي ..
وفي هذا المساء كان أول من يدق عليّ باب البيت ، ويجلس في السيارة إلى جانبي ، ويصلي معي بكل " خشوع وأدب " فساندويشة الفلافل تستحق ذلك الخشوع وتلك الطمأنينة ..
وكنت بهم سعيداً فأنا أعده وإخوته من الأولاد ليكونوا رجال الأمة ومجاهديها . ولا بد من الصبر والحكمة في التعامل مع هؤلاء الرجال الصغار ..


الساعة الآن 12:38 AM بتوقيت مسقط

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
:: جميع الحقوق محفوظة لمنتديات لغاتى التعليمية ::